لَمّا هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وجد أهلها يحتفلون بعيدين وثنيين في السنة، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين عن الاحتفال بهذين العيدين وأبدل الله تعالى المسلمين بعيدين أفضل منهما؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كنَّا نَلعَبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما: يومَ الأَضْحى ويومَ الفِطْرِ." (أخرجه أبو داوود).
عيد الأضحى ويسمى أيضا بعيد النحر هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وترجع تسميته نسبة إلى الأضاحي التي يضحي بها المسلمون تقربا لله تعالى، واقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإحياءً لسُنة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي منّ الله عليه بافتداء ابنه بكبشٍ عظيم عندما امتثلا لأمر الله تعالى. وتبدأ قصة الذبيح عندما سَأَلَ ابراهيم ربه أن يَهِب له ولدا صالحا، فاستجاب له ربه وبشره بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، ففرح إبراهيم بإسماعيل وتعلق به وأحبه حباً شديداً لأنه أول من وُلِد له وقد رُزِقَه على كِبر. وبعد ان كَبُرَ إسماعيل واشتد ساعده، رأى إبراهيم عليه السلام في منامه أنه يذبحه، وبما أن رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله عزَّ وجلَّ فما كان من إبراهيم إلا أن امتثل لأمرِ ربِه، فعرض الأمر على ابنهِ، فما كان من إسماعيل إلا الطاعة والاستسلامِ، وهمَّ إبراهيم بذبحِ اسماعيل، ووضعه على وجههِ؛ لئلَّا يُشفقَ عليه فتأخذه رحمةُ الأبِ بابنهِ، ثمَّ سمَّى، وكبَّر إسماعيل وتشهّد، وأمَرَّ إبراهيم السكين على حلق إسماعيل لكن لم تقطع شيئا، وسمع مناديًا يُخبره بأنَّه قد صدَّق الرؤيا، وبذلك يكون قد حصلَ المقصودُ منها، وهو ابتلاؤه واختباره من الله عز وجل، وقد صبر إبراهيم على هذا البلاء ونجح في الاختبار، فكافأه الله تعالى بافتداء ابنه بذِبحٍ عظيم. قال الله تعالى: "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ ﴿99﴾ رَبِّ هَبۡ لِي مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿100﴾ فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ ﴿101﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿102﴾ فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ ﴿103﴾ وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ﴿104﴾ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿105﴾ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ ﴿106﴾ وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ﴿107﴾ وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ﴿108﴾ سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ﴿109﴾ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿110﴾ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿111﴾ وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿112﴾ وَبَٰرَكۡنَا عَلَيۡهِ وَعَلَىٰٓ إِسۡحَٰقَۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحۡسِنٞ وَظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ مُبِينٞ ﴿113﴾" (الصافات: 99-113). يبدأ الاحتفال بعيد الأضحى بعد نزول الحجاج من جبل عرفة.
لعيد الأضحى أحكام يجب على المسلم الالتزام بها منها، حرمة صيام يوم العيد، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام نهيه عن صيام يوم العيد فيما نقل الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: "نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ الفِطرِ والنَّحرِ، وعن الصَّمَّاءِ، وأن يحتبيَ الرَّجُلُ في ثَوبٍ واحدٍ." (متفق عليه). وكذلك ورد النهي عن صيام أيام التشريق، الأيام الثلاث التي تلي يوم عيد الأضحى، فعن نبيشة الخير الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكرٍ لله." (رواه مسلم). ويستثنى من ذلك الحاج الذي عجز عن الهدي فإن له أن يصوم ثلاثة أيام التشريق بعد يوم العيد فيصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر في الحج، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، عن عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: "لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ، إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ." (رواه البخاري). وقد أُختُلِفَ في سبب تسمية أيام التشريق، فقيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقددونها ويبرزونها للشمس، وقيل لأن صلاة العيد بعد شروق الشمس فسُميت الأيام كلها بأيام التشريق تبعاً لليوم الأول: يوم العيد، وهذا من باب تسمية الشيء باسم بعضه، وقيل لأن الضحايا لا تُنحَر حتى تشرق الشمس.
صلاة العيد:
ومن أحكام عيد الأضحى صلاة العيد، وهي ركعتان جهرية، يدخل وقتها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح. واختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال، الوجوب، فرض كفاية، وسنة مؤكدة. وصفة صلاة العيد، التكبير في الركعة الأولى ست تكبيرات من غير تكبيرة الإحرام، وللمصلي السكوت بين التكبيرات لكن الأفضل ذكر الله تعالى والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد التكبيرة السادسة يشرع الإمام بقراءة الفاتحة ثم سورة الأعلى أو سورة ق. وفي الركعة الثانية يكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال ويقرأ الفاتحة يليها سورة الغاشية أو سورة القمر، وللإمام القراءة بغير هذه السور بما تيسر له من القرآن إلا أنه من السنة القراءة بها. وللفقهاء قولان في وقت قراءة دعاء الاستفتاح، القول الأول بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، والقول الثاني بعد التكبيرة السادسة قبل الشروع في قراءة الفاتحة. وبعد الصلاة تكون خطبة العيد حيث يخطب الإمام خطبة يُذكّر فيها الناس ويعظهم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللهُ عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كان يخرُجُ يومَ الأضحى، ويومَ الفِطرِ، فيَبدأُ بالصَّلاةِ، فإذا صلَّى صلاتَه وسلَّمَ، قام فأَقبلَ على الناسِ، وهم جلوسٌ في مصلَّاهم، فإنْ كان له حاجةٌ بِبَعْث، ذكَره للناسِ، أو كانتْ له حاجةٌ بغير ذلك، أَمَرَهم بها، وكان يقول: تَصدَّقوا، تَصدَّقوا، تَصدَّقوا، وكان أكثرَ مَن يَتصدَّقُ النساءُ، ثم ينصرِفُ، فلم يزلْ كذلك حتى كان مَرْوانُ بنُ الحَكَم، فخرجتُ مخاصرًا مروانَ حتى أَتينا المصلَّى، فإذا كَثيرُ بن الصَّلتِ قد بنى منبرًا من طِين ولَبِن، فإذا مَرْوانُ يُنازعني يدَه، كأنَّه يَجرُّني نحو المنبر، وأنا أَجرُّه نحوَ الصَّلاة، فلمَّا رأيتُ ذلك منه، قلتُ: أينَ الابتداءُ بالصَّلاة؟ فقال: لا، يا أبا سعيد، قد تُرِك ما تَعلَمُ، قلت: كلَّا! والذي نفْسي بيدِه لا تأتون بخيرٍ ممَّا أعلمُ، ثلاثَ مِرارٍ، ثم انصَرَف." (رواه مسلم). وكان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام العودة من مصلى العيد من طريق غير الطريق الذي سلكه في ذهابه. وأيضا كان من هديه عليه الصلاة والسلام الاغتسال للعيد، ولبس أجمل ثيابه.
أحكام الأضحية:
ومن أحكام عيد الأضحى ذبح الأضاحي الذي يبدأ وقته من بعد صلاة العيد وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، أي ان أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده. والأفضل المبادرة بالذبح بعد صلاة العيد كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يكون أول ما يُؤكَل يوم العيد من الأضحية. فقد روى الإمام أحمد عن بُريدة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ". وللفقهاء قولان في حكم الأضحية، القول الأول أنها سنة مؤكدة وهو قول الجمهور، والقول الثاني أنها واجبة مع الاستطاعة. وعلى من أراد ان يضحي، سواء كان رجلا أو امرأة، ان لا يأخذ من شعره شيء، لا من شعر رأسه ولا لحيته ولا ابطه ولا عانته ولا سائر بدنه، وأيضا لا يأخذ من أظفاره، ويكون ذلك من بداية رؤية هلال شهر ذي الحجة حتى يضحي. فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ". (رواه مسلم). وفي رواية أخرى عند مسلم: "فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا". والبشرة: ظاهر جلد الإنسان. وعدم الأخذ من الشعر والأظافر يكون على المضحي فقط لا على أهل بيته ولا على من يوكله بذبح الأضحية. والأفضل للمضحي ان يتولى ذبح أضحيته بنفسه لأنها طاعة وعبادة، لكن أيضا له ان يوكل غيره بذبحها.
وللأضحية أحكام وشروط منها، ان تكون من بهيمة الأنعام، الإبل والبقر والغنم، قال الله تعالى: "لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ." (الحج: 34). قال ابن كثير والحسن وقتادة وغيرهم "عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ" هي الإبل والبقر والغنم، ولا يصح التضحية بغيرها كالحيتان والطيور. كما يشترط السِّن في الأضحية، فالإبل ما بلغ عمرها خمس سنين، والبقر سنتان، والضأن يجزئ فيها الجذع وهو ما له ستة أشهر، والمعز ما بلغ سنة. ولا يجوز التضحية بجذعة من المعز، وذلك لحديث البراء بن عازب قال: "ضَحَّى خَالٌ لِي، يُقَالُ له أبو بُرْدَةَ، قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ عِندِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ المعزِ، قالَ: اذْبَحْهَا، ولَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ." (رواه البخاري). وأضحية العيد لا تكون إلا بعد صلاة العيد لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَن ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ." (رواه البخاري). ويستحب ذبح المُسِنَة لحديث جابر بن عبدالله عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ." (رواه مسلم).
ويشترط في الأضحية سلامتها من العيوب الظاهرة التي تعد نقصا، فعن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُضَحَّى بالعرجاءِ بَيِّنٌ ظَلْعِهَا، ولا بالعوراءِ بَيِّنٌ عورها، ولا بالمريضةِ بَيِّنٌ مرضها، ولا بالعجفاءِ التي لا تَنْقَى." (رواه الترمذي وغيره). فهذه العيوب الأربعة قد أجمع العلماء على أن الأضحية لا تجزئ مع وجود واحدة منها وكذا ما كان في معناها، مما هو مشين لذاتها أو مانع من مساواتها سائر المواشي في المشي والرعي ونحو ذلك. أما العيوب الأخرى كأن تكون مقابلة وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً، والشرقاء التي شقت أذنها من الأمام طولاً، والخرقاء التي خرقت أذنها، فالأضحية بهذه الأنواع، أي التي ليست أذنها تامة، فالأضحية بها تجزئ لكن مع الكراهة، وهذا مذهب جماهير أهل العلم. والأضحية الجماء أي التي لا قرن لها جائزة لكن السنة أن يكون أقرن، والأضحية العضباء أي التي ذهب أكثر قرنها جائزة أيضاً، والشاة الصمعاء الصغيرة الأذن تجوز الأضحية بها، والبتراء التي لا إلية لها أيضاً تجزئ، وكذلك التي جف لبنها وكاد يموت ضرعها على أرجح الأقوال تجزئ لأن اللبن غير مقصود في الأضحية، والهتماء التي سقط أسنانها فالراجح أنها تجزئ، فكل هذه العيوب لا تمنع الإجزاء، لكن أن تكون سالمة الأعضاء أفضل.
ويجزئ المضحي أن يذبح عن نفسه وأهل بيته بشاة واحدة، لِما روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَ بكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِيَ به لِيُضَحِّيَ به، فَقالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثُمَّ قالَ: اشْحَذِيهَا بحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ". ولِما روى مالك وابن ماجه والترمذي وصححه عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ، فِي عَهْدِ النَّبِيّ ِصلى الله عليه وسلم، يُضَحِّى بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَ كَمَا تَرَى". ويجزئ عند جمهور الفقهاء أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة فيذبحونها عنهم، سواء كانوا من أهل البيت الواحد أو لم يكونوا، لما روى الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله أنه قال: "نَحَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ".
وعند التذكية يجب استقبال القبلة بالذبيحة، والرفق بها وإراحتها عن طريق استخدام آلة حادة وإمرارها على محل الذكاة بقوة وسرعة، فعن شداد بن اوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلةَ وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحةَ وليُحدَّ أحدُكم شَفرتَه فَلْيُرِحْ ذبيحتَه." (رواه مسلم). ويجب مراعاة الجانب النفسي للذبيحة، فتقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتُستر أداة الذبح عنها حتى لا تراها إلا ساعة الذبح. والإبل، بعد التسمية والتكبير، تنحر قائمة معقولة اليد اليسرى، قال الله تعالى: "وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ" (الحج: 36)، عن ابن عباس في قوله: "فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّ"، قال: قيام على ثلاث قوائم، معقولة يدها اليسرى، يقول (أي المضحي): "بسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك". وعن جابر بن عبدالله: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وأصحابَهُ كانوا يَنحرونَ البدَنةَ مَعقولةَ اليُسرى قائمةً علَى ما بقيَ مِن قوائمِها." (رواه أبو داوود). وغير الإبل تذبح مضجعة على جنبها ويضع المضحي رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها، ويسمي ويكبر ويدعو بالقبول ويذبح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ." (رواه البخاري).
وللفقهاء أقوال فيما يفعل المضحي بأضحيته، فمنهم من قال يأكل منها ويستحب له التصدق بأكثرها، ومنهم من قال يأكل ويدخر لنفسه وأهله النصف ويتصدق بالنصف، ومنهم من قال للمضحي الثلث ويهدي لمن أحب الثلث ويتصدق بالثلث. وأجمع الفقهاء على وجوب التصدق بشيء من الأضحية للفقراء، قال الله تعالى: "لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" (الحج: 28). وقال جل شأنه: "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ." (الحج: 36).
آداب ومستحبات العيد:
يستحب في أيام عيد الأضحى الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد. وللتكبير في أيام العشر من ذي الحجة وأيام عيد الأضحى عدت صور أشهرها قول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد". ومن الفقهاء من يرى ان تكبر ثلاثا فتقول: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" والأمر فيه سعة سواء تم التكبير مرتين أو ثلاثا كله خير.
ويُسَن الجهر في التكبير إحياءً للسنة، فعن عمر رضي الله عنه: "أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّته بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ فيُكبِّر أهلُ الأسواقِ، حتى ترتجَّ منًى تكبيرًا." (رواه البخاري معلقاً).
وذكر ابن عثيمين رحمه الله ان التكبير ينقسم إلى:
تكبير مطلق، والذي يكون في كل ساعات الليل والنهار يبتدأ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، أي إلى أن تغيب الشمس ليلة الثالث عشر، فتكون أيام التشريق أيام ذكر مطلق، وكذلك أيام العشر التي قبل العيد، وكذلك يوم العيد.
وتكبير مقيد، ويكون من صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة عصر آخر يوم من أيام التشريق، يكون تكبيراً مقيداً دبر كل صلاة مفروضة، فتكون خمس صلوات في يوم عرفة، وخمس صلوات في يوم العيد، وخمس صلوات في الحادي عشر، وخمس صلوات في الثاني عشر، وخمس صلوات في الثالث عشر، الجميع خمس وعشرون صلاة يُسَن أن يكبر بعدها، أي بعد أن يقول: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يكبر، فيكون هذا التكبير كالتسبيح والتحميد الذي يسن في كل وقت بعد الصلاة.
كما يُستحب الاغتسال قبل الخروج إلى صلاة العيد، والتجمل باللباس، والعودة من المصلى من طريق غير الطريق الذي سُلِك في الذهاب، والتضحية بعد الصلاة مباشرة ويكون أول ما يأكله المضحي في يوم العيد من أضحيته. وكان من هدي الصحابة بالعيد تهنئة بعضهم البعض بقول " تُقُبِّل منا ومنك" أو "تقبل الله منا ومنك". فعليه يجوز للمسلمين تهنئة بعضهم البعض بالعيد والتزاور والتراحم فيما بينهم فهذا من مكارم الأخلاق ومن المظاهر الاجتماعية الحسنة.
كتبه: مصعب العوضي